'ملامسة الواقع' سر نجاح الدراما السورية
مهمة الدراما ليست توثيق الواقع وإنما تقديم حقيقة مُفترضة ضمن زمان ومكان معينين وفق تشكيلة جديدة.
دمشق - حققت الدراما السورية نجاحات كثيرة على صعيد الشكل الفني والمضمون، ودخلت ميادين وصفها البعض بالجريئة، فضلا عن غوصها في الواقع الاجتماعي ومناقشة هموم الناس اليومية. وتؤكد صحيفة "القبس" الكويتية أن الكثير من المخرجين السوريين يتسابقون لتوصيف أعمالهم بأنها الأكثر ملامسة للواقع، متسائلة عما إذا كانت مهمة الدراما نقل الواقع كما هو أم انتقاء السلبيات في المجتمع والإمعان في إظهار الوجه الموجع منها. ويؤكد المخرج نجدت أنزور أن مهمة الدراما تحريضية وأنه يحاول عبر ما يقدم تسليط الضوء على ما يجري في المجتمع. ويضيف "إنني واحد من أبناء هذا المجتمع وأرى ما يحدث من حولي وينبغي أن نسلط الضوء على هذه الأمور، ومجتمعنا فيه نماذج شأنه شان أي مجتمع آخر فلا آتي بالموضوعات من الفضاء وأضعها في المجتمع السوري وإنما أرصد ظاهرة موجودة ونتناولها بشكل نابع من انتمائنا لهذا المجتمع وحبنا له وليس من موقع تصفية حسابات أو من منطلق تجاري أو سياسي". ويقول إنه حاول عبر مسلسل "ما ملكت أيمانكم" "فتح الباب أوسع من غيرنا وقلنا تعالوا وانظروا هذا ما يحصل في المجتمع، فنحن مع أن يتم تقويم المجتمع وأن يأخذ شكله الحقيقي، حتى أننا طرحنا مشكلات الطبقة الوسطى وتحدثنا عن التطرف الديني والإرهاب". وحول الخشية من أن تمس شخصياتٌ أو موضوعاتٌ معينة يطرحها في عمله جهاتٍ أو أشخاصا بعينهم يقول أنزور "أي شخص يرى نفسه في المسلسل فهو مقصود، وقد وضعنا عبارة في بداية العمل تقول إن أي تشابه بين الشخصيات أو بين أسماء هذا المسلسل وشخصيات في الواقع هو بمحض الصدفة". ويتابع "بالمحصلة لدي مشروعي الثقافي والفني حتى أنني أقوم باستكتاب الأفكار والنصوص، ولست في انتظار أن يقول لي أحد خذ هذا عمل لتخرجه، فعندما يأتيني عمل من أي جهة إن لم أجد أنه مكمل لمشروعي لا أخرجه". ويرى المخرج فراس دهني أن الدراما ليس من مهامها نقل ما يجري بمعنى التوثيق وإنما تسليط الضوء والتشريح. ويضيف "لا يقع على عاتق الدراما مهمة نقل ما يحدث في المجتمع بالمعنى التسجيلي للكلمة لأن هناك ما هو أهم من الدراما وهو المسلسل أو الفيلم التسجيلي الذي ينقل الواقع بصدق أكبر من صدق الدراما، ولكن يقع على عاتقنا أخذ عينة من هذا النسيج الاجتماعي وتسليط الضوء عليها وفي حالات أخرى تشريح طبقة ما أو مجتمع ما بالمعنى الأوسع". وعما إن كانت مهمة الدراما تجميل الواقع أو تشويهه أم اجتزاء نقاط معينة منه وطرحها في عمل يقول دهني "مهمتها هذه الأمور كلها مجتمعة، ففي بعض الأحيان قد تجدها دراما تجمّل الواقع وأحياناً أخرى هي تشريح للمجتمع وتسليط الضوء على بعض الأمور فيه. وأحياناً هي حقيقة جديدة فالدراما تقدم حقيقة مُفترضة مضغوطة ضمن زمان ومكان معينين وفق تشكيلة جديدة، أي بث حياة جديدة لمعالجة فكرة أو طرح مشكلة ما". ويرفض المخرج الليث حجو مصادرة حق أي أحد في نقل الواقع لأنه ملك للجميع، مشيرا إلى أن "هناك من يحاول تجميل الواقع ومن قد يشوهه أو ينقله بحقيقته، فالتعامل مع الواقع هو أسلوب، وبالنسبة إلي أرغب في ألا أجمل الواقع وإن كنت أتمنى أن أصل إلى اليوم الذي لا أجد فيه أي سلبية لأقدمها في عمل درامي، إلا أنني أبحث دائماً عن السلبيات، وأرى أنه ليس دائماً يُنقل الواقع كما هو وإنما وفقاً لنوع العمل". ويضيف "في الكوميديا ينبغي أن تبالغ وأن تكون الصورة نافرة بشكل أكبر حتى تقوم بوظيفتها، ولكن مسلسل 'الانتظار' على سبيل المثال كان واقعياً لأنه من الصعب أن تبالغ فيه فهو عمل يلتصق بالواقع". وتقول الفنانة صفاء سلطان "أحياناً نجد أن الدراما تنقل الصورة بشكل واقعي وبكل مصداقيته وأحياناً أخرى تجمله وتقدمه بصورة مثالية، ولكن في حقيقية الأمر فالدراما هي حكاية ينسجها الكاتب ضمن حدوتة يعيشها، سمع بها أو ألفها لتكون نصاً تلفزيونياً وهذا يختلف حسب تفكير الكاتب وعاداته وتوجهاته في كتابة السيناريو وما يدور في ذهنه من إشارات استفهام يبحث عن تفسيرها بصورة مشهد تلفزيوني،". وحول مدى ملامستها عبر أدوارها لواقع المرأة الحقيقي في المجتمع تقول سلطان "الدراما السورية قدمت واقعاً هو طبق الأصل لواقعنا إن كان عبر المرأة أو الرجل أو واقع الشباب ويبقى دوري كممثلة الالتزام بالنص المُقدم لي وأن أكون مع مخرج متمكن من أدواته وأنا أثق بكتابنا ومخرجينا فلولاهم لما وصل نجاح درامانا إلى هو عليه الآن".