في الجزء الثاني من مذكرات الفنانة سميحة أيوب تواصل معنا سرد ذكرياتها عن المسرح والفن والعلاقات التي مرت بها طوال حياتها ، فتقول : " رفعت الستار عن السبنسة وتجاوب الجمهور معنا والضحكات تزلزل المسرح ، وسعد الدين وهبة واقف في الكواليس وعيناه عليّ وكان فيهما شيء غريب مزيج من الحب والخوف والتوتر ، لأن الليلة ليلة تقرير مصير العرض المسرحي وأسدلت الستار بعد تصفيق حاد لا نسمعه في مسرحيات أخرى " وبعد انتهاء العرض ، طلب المؤلف سعد الدين وهبة والمخرج الأستاذ سعد أردش أن يذهب الجميع لتناول العشاء في الحسين .
ثم تواصل الحديث قائلة : دخلت غرفتي وغيرت ملابسي استعداداً للنوم ، وإذا بجرس التليفون يرن وكان المتحدث سعد الدين وهبة ، لست أدري كان لدي إحساس أنه سيطلبني ، كنت أشعر ونحن جالسين والزملاء في قهوة الفيشاوي بأنه يريد أن يتحدث معي ، ولكن الزحام والمناقشات والآراء لم تترك له الفرصة ، وسمعته يقول من عبر التليفون : " مساء الخير ، والأفضل صباح الخير ، لأنني تركت لك وقتاً قبل أن أتحدث لتكوني انتهيت من ارتداء ملابسك استعداداً للنوم " . لم أجب وساد صمت قطعه بقوله : " أنا عايز أقولك أنتي وشك حلو قوي عليّ " فابتسمت وقلت : أشكرك . قال والآن تصبحي على خير ، هذا ما كنت أود أن أقوله لك وأغلق السماعة .
وتستمر الفنانة سميحة في سرد القصة فتقول " جاء الغد ونحن نستعد للعرض المسرحي وكنت في غرفتي أعمل ماكياج ، وإذا بالداخل إلى الغرفة الأستاذ وهبة وعلى وجهه ابتسامة ذات معنى وقال لي : البسطجي جايب الجوابات. ثم ناولني جريدة الجمهورية التي أعطاها له الأستاذ كامل الشناوي .
استمر الحال على هذا المنوال كل يوم يحمل الجريدة ، وأرى نفس الابتسامة وفي ليلة ونحن خارجين من المسرح بعد العرض قال لي : " إيه رأيك نروح محطة مصر نجيب الجرائد ونقرأ النقد الخاص بالسبنسة " فقلت له : طيب أنا عربتي هنا .قال " ناخدها نحطها في الجراج عندك ، وتركبي عربتي ونذهب إلى المحطة " فوافقته على الفور بدون تفكير .
وفي يوم فاجأني وقال لي : " أريد أن أتزوجك " قلت له " أنا لن أتزوج ، أنا عندي عقدة من الزواج ، وطبعاً أنت تعلم قصتي " ورغم محاولاته في إقناعي إلا أنني قلت له " أرجوك أبعد فكرة الزواج عن ذهنك ، إنني أفكر في عملي ، وكيف أرتقي وأتقدم به وأفكر في أولادي محمود وعلاء ، ولا يشغلني شيء إلا هما وعملي ، أما الزواج مرة أخرى فلا ، بالرغم مما أحسه نحوك من ألفة . قال : لا تريدين أن تقولي ما أحسه نحوك من حب .
لا أنسى صوت كامل الشناوي وهو يقول لي : تصوري يا سميحة ، أنا كنت لا أصدق أن سعد وهبة له قلب مرهف رقيق إلى هذه الدرجة ، لقد حكى لي عن آخر لقاء لكما ، ونظرت في عينيه ووجدت دمعة في عينيه وهو يصارعها ولكنها كانت أقوى منه ، وقال لي : كامل بك أرجوك كلمها واقعنها بالزواج ، فأنا لا أتخيل حياتي بدونها .
كانت سميحة ترفض الزواج ، ولكن بعد أن طلبت أمها منها أن تقطع صلتها بسعد لأن محمود مرسي يتهمها في شرفها مع سعد ، طلبت سعد في عمله وكان وقتها مدير تحرير جريدة الجمهورية ، ورد سعد على التليفون ، فقالت له : تعالى دلوقت نتجوز ، هتلاقيني بعد ساعة أمام باب منزلنا . جاء سعد أمام وركبت معه سيارته وقال لي : هذا أعظم قرار في حياتك . وفعلاً كان أعظم قرار .
وتحدثنا الفنانة الكبيرة سميحة أيوب عن تلك الفترة من حياتها فتقول : " كانت فترة زمنية مملوءة بالثقافة والفكر والفن ، كنا نجتمع يومياً بعد العرض المسرحي ، ومن كانت الصحبة ؟ ظرفاء مصر ، كامل الشناوي ، زكريا الحجاوي ، لويس عوض ، محمود السعدني ، محمد عودة ، عباس صالح ، سعد الدين وهبة ، وأنا ، في وسط هذه الباقة من الأدب والفكر ، أزعم أنني استفدت كثيراً من الناحية الأدبية والثقافية " .
نالت الفنانة سميحة أيوب عام 1964 وسام الجمهورية ، وكانت الدولة فيما سبق لا تكرم أحداً إلا إذا بلغ من العمر نهايته ، أو بعد أن يتوفاه الله ، أما الآن ، فكل يجني ثمار عمله وإبداعه ، وهو في كامل صحته وشبابه ، وتذكر لنا سميحة من بين المكرمين معها في هذا العام : فاتن حمامة ، وكامل الشناوي ، وصلاح جاهين ، وتصف لنا مشاعرها في تلك اللحظة قائلة " يا للحظة الحاسمة عند نداء الأسماء شعور بالرهبة والخوف من أن أتعثر وأنا صاعدة إلى المنصة ، وسلامي على الريس ، وكما سمعتهم يقولون عن له عينين يستطيع المرء أن ينظر إليهما ، ونودي على اسمي وصعدت وسلمت على الرئيس ونظرت في عينيه ، كان فيهما حنان ودفء ، كانتا تبتسمان ، هل رأى أحد عيوناً تبتسم ؟ لقد رأيتهما في وجه الزعيم عبد الناصر " .
ثم تنتقل إلى الحديث عن السينما فتقول : " لم أعمل بها دوراً أشبعني كفنانة لم يجد فيّ المخرجون إلا مجرد امرأة لها قوام جميل ، فكانت معظم الأدوار التي توزع عليّ يا إما امرأة شريرة معاها واحد شرير ، أو هناك البنت الطيبة ومعاها أيضاً واحد طيب ، وكان تفكير السينما آنذاك هكذا . ولعبت أدواراً أحببتها منها : " رجل وامرأتان " ، و" سوق الحريم " ، و " لا تطفئ الشمس " ، و" يوم الحساب " ، و" بياعة الورد " ، و" جسر الخالدين " ، و" وأرض النفاق " ، و" بنت البادية " ، و" جفت الأمطار " ، و" إفلاس خاطبة " . وتذكر لنا الأفلام الأخرى ، مثل " عودة للحياة " ، " قلبي يهواك " ، " ورد الغرام " ، " موعد مع السعادة " ، " بين الأطلال " ، " السر في بير " ، " إلخ ، وآخر فيلم " فجر الإسلام " وكان سنة 1971 . ومن يومها عاهدت نفسي ألا أعمل في السينما لأنني لم أجد الدور الذي يليق بقدراتي ، وادخرت قدراتي للمسرح ، ثم التليفزيون .
وتذكر سميحة أن الشيوعية في تلك الفترة موضة العصر في مصر ، وكان بعض النقاد شيوعيين ، ويا ويلك لو اشتغلت مع ممثل يعمل في تنظيم شيوعي سيكون هو العبقري وأنت (يعني) . وفي يوم لا أنساه جاء سعد من العمل ، وقال لي " لقد استبعدت من العمل وعينوا بدلاً مني السيد عبد الرازق حسن وهو شيوعي منظم . فقلت له : ولا يهمك أنت كاتب وصحفي والكتبة تشهد بذلك ، أما المنصب فهو جرة قلم تكون أو لا تكون .
وبدأت حملات حرق البخور لصالح عبد الرازق حسن ، من الجماعة الذين ينهجون نهجه السياسي ، وكانت فترة عبد الرازق حسن هي فترة التعتيم على السينما المصرية وبعدها نفضت الدولة يدها من مساعدة السينما . وعين سعد الدين وهبة رئيساً لهيئة الكتاب ، وقال عنه رجاء النقاش إنه إذا ذهب إلى خرابة جعل منها حديقة غناء مورقة بالرياحين .
وجاءت حرب 1967 وشغل سعد وهبة مع السيد سيد ذكي أمانة القاهرة ، وكان ينام في المنزل إلا قليلاً ، وكتب في تلك الأيام مسرحية " بير السلم " وكأنها كانت تتنبأ بما سيحدث ، أصبنا بالنكسة ، والشعب المصري جميعه كان في حالة حزن وحداد وغضب وحملنا التبعة لجنودنا المسلحة ، ولكنهم كانوا ضحية القادة .
أي متعة تجدها في شعر فاروق جويدة ، كنت وأنا أنطق الكلمة أشعر بالأسف لأنها انتهت ، لهذه الدرجة كانت حلاوة عبقرية كلماته ، كان المسرح في هذا الوقت ينتهج نهجاً غريباً ؛ محتوى الأعمال الإسفاف والرقص ، والكلمات التي لها تورية جنسية ، وهذا المسرح أو الساحة المسرحية المتردية تؤرقني ، كيف سأخرج إلى الناس بعد غياب ثلاث سنوات وأقول لهم شعراً عاطفياً وسياسياً واجتماعياً ، والمسرحية قطعة من التاريخ . وفي يوم أثناء التدريبات الأخيرة قال لي توأمي في المسرح عبد الله غيث : سميحة إحنا بنعمل في روحنا إيه ؟ إزاي هنقف بمسرحية مثل هذه والمسارح الأخرى ترقص وتهز ؟
قلت له بشيء من الوقار المصطنع لأنني أحس ما يشعر به : إحنا معروف عننا أي فن نقدم ، نحن نقدم الفن الحقيقي الذي يحترم عقلية المشاهد ، فإذا عف المشاهد عن رؤية المسرحية ، فليس الذنب ذنبنا ، ولكنه ذنب المتفرج الذي أفسدوا ذوقه بما يقدم من فن هابط . وجاءت ليلة الافتتاح وإذا بالمسرح يختنق بالجماهير ، ونجحت المسرحية نجاحاً لم نكن نتوقعه ، بل توقعنا الفشل لأنه كما يقال " الجمهور عايز كده " وظهر أن الجمهور يريد ما يمتعه إبداعياً وسياسياً واجتماعياً وعاطفياً ، وفوق كل هذا أن يشعر من هم على خشبة المسرح يحترمون وجوده وإنصاته لإبداعهم .
كانت المعركة حامية الوطيس بيني وبين كرم مطاوع ، وكانت الحجة هي " كيف تمنع سميحة أيوب عملا لتوفيق الحكيم وهو يريد أن يرى عملاً له في هذا السن " وذهبت لزيارة الحكيم وكان متوعكاً وعندما رآني فرح ونشط ، قلت له : لقد جئت رافعة الراية البيضاء . وضحكنا وأخذ يحكي لنا عن ذكرياته منذ خمسين عاماً ، ونزل الخبر في الأخبار يوم الخميس وفي نفس اليوم نزل مانشيت كبير في جريدة الجمهورية يقول " الرئيس يطلب إنهاء الخلاف بين سميحة أيوب وكرم مطاوع .
هير. اسمه الكامل محمود مرسي محمد، تزوج مرة واحدة فقط من الفنانة سميحة أيوب وله ولد واحد اسمة علاء يعمل معالج نفسي.
كان خجولاً جداً ومثقفاً وقارئاً جيداً. له أصدقاء قليلون، ومن الجدير بالذكر أنه كتب نعيه بنفسه ذاكراً فيه أسماء أقرب الناس إليه وهم أصدقاء العمر. برع في أدوار الشر وخاصة في دور (عتريس) في فيلم شئ من الخوف.
إلتحق بالمدرسة الثانوية الإيطالية بالإسكندرية القسم الداخلي، وبعد تخرجه في المدرسة الثانوية إلتحق بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية قسم الفلسفة[1]. وبعد تخرجه من الجامعه عمل مدرساً إلى أن استقال منه وقرر السفر إلى فرنسا ليدرس الإخراج السينمائي ووأمضي خمسة أعوام حتى إنتهت أمواله فغادرها إلى لندن وعمل هناك بهيئة الإذاعة البريطانية - بي بي سي، وبعد سبعة شهور من تعيينه حدث العدوان الثلاثي فقرر العودة إلى مصر والتحق بالبرنامج الثاني بالإذاعة المصرية [1]، وبعدها عمل مخرجاً بالتلفزيون المصري ومدرساً للتمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة[2]. وفي عام 1962 بدأ بالعمل السينمائي في فيلم أنا الهارب للمخرج نيازي مصطفى[2].
- أنا الهارب
- ثمن الحرية
- فجر الإسلام
- أغنية على الممر
- أمير الدهاء
- حد السيف
- سعد اليتيم (1985)
- طائر الليل الحزين
- زوحتي والكلب
- العنب المر
- فارس بني حمدان
- الخائنة
- امرأة عاشقة
- أبناء الصمت
- أمواج بلا شاطئ
- شمس الضياع
- الليالي الطويلة
- الشحاذ
- العملاق .
- أبو العلا البشري 90.