أسقط فيلم 'افاتار' على وضع أمتنا العربية حين تسلب أموالها وخيراتها من قبل معتد هدفه ابتلاع خيراتنا.
ميدل ايست اونلاين
دمشق ـ من لمى طيارة
ليس من الغريب لهكذا إنتاج ضخم يقدر بملايين الدولارات أن ينتج فيلما ذا مضمون وبعد سياسي محملا بالإبهار البصري، ليصبح فيلما منسوجا على عدة مستويات: مستوى فكري بالدرجة الأولى غالبا ما سيلتفت له أصحاب القضية والفكر وأمثالهم. والمستوى الآخر إبهاري بامتياز يشد الغالبيه العظمى (متعلمة أو غير متعلمة) حتى ولو كان هذا على حساب الحياة المعيشية.
ففي زيارتي الأخيرة لمصر آثرت حضور فيلم افاتار بتقنية 3d نظرا لأن النسخة التي وصلت لسينما "سيتي" في دمشق هي نسخة عادية ولا أعرف سببا لهذا، سوى الخوف من الأجورالعالية والتي يبرر أصحاب هذا الرأي أنه قد لا تكون في متناول المواطن السوري، رغم أننا نتابع أفلاما بتقنيه 4D لا تتجاوز مدة عرضها 20 دقيقة مقابل أجور مرتفعة جدا وتلقى إقبالا جماهيريا لا بأس به وذلك في المراكز التجارية.
فرغم وجود صالات السينما الفخمة التي شيدت مؤخرا في مدينة دمشق إلا أنها لم تستخدم بعد هذه التقنية، وبالمقارنه مع مصر البلد العظيم سينمائيا المتدهور أجورا ومعاشيا، نجد أن الفيلم حقق أرباحا عاليه في صالات العرض المصرية رغم غلاء السعر!
وهذا إن دل على شيء فهو أمر خير وينبه إلى أن الجيل الجديد من الشباب قادر على تذوق كل ما هو جميل وليس مقتصرا على أفلام الغريزة الجنسية والأكشن وغيرها من الأنماط التي نسبت له وكأنه هو من صنعها وليس العكس!
وفيلم "افاتار" لمخرجه "جيمس كاميرون" حقق أرقاما قياسية في شباك التذاكر متخطيا فيلم "تايتانيك" للمخرج نفسه، "تايتانيك" الفيلم الذي بهر العالم حين عرض قبل سنوات، نظرا لأنه اعتمد أيضا على مستويين في العرض، فقام بالإبهار في الإنجاز والإخراج، أما على المستوى الطرح فقدم لفكرة تحدي الطبيعة وتحدي الخالق وكأنه يقدم موعظة دينيه بطريقه براقة وغير مباشرة، مما جعله الفيلم المفضل للكثيرين طوال العشر سنوات الماضية.
يدور فيلم " افاتار" في الخيال العلمي، وحول العالم الافتراضي المليء بالثروات والتي يرغب البشر باغتصابه والقضاء عليه (البشر هم الشر)، في رحلة أشبه ما تكون بالسيمفونية الموسيقية المرافقة للإبهار اللوني والبصري، في مقابل الحب والعاطفة والرغبة التي تقف عائقا أمام هذا الشر.
ورغم أنه كتب الكثير عن هذا العمل كقصة، وأسقط العمل على الوضع الحالي الذي تعيشه أمتنا العربية حين تسلب أموالها وخيراتها من قبل معتد هدفه ابتلاع خيراتنا ونفينا من العالم، ولو بقنبلة ذرية أو بأي سلاح كيماوي، وقام الكثير من النقاد الأميركان بمقارنته بالعمل الرائع "ماتريكس" الذي كان يخوض في نفس العوالم رغم اختلاف الطرح، وهذا طبيعي لأن الإنسان يوما بعد يوم يصبح أسوأ وأكثر قسوة وطمعا.
إلا أنني لا أود الوقوف عند حدود الموضوع، بل أود الخوض في مسأله التنفيذ الذي تجاوزت حدود المبهر، فسواء شاهدت فيلم "افاتار" بالتقنية الثلاثية الأبعاد أو بالعرض العادي وسواء شاهدته في قاعة السينما وسط الجمهور أم شاهدته على شاشتك الصغيرة في المنزل، يبقى "افاتار" فيلما مبهرا، وهذا أمر يحسب للفيلم ولصنّاعه، فلو تجاوزنا الموضوع الذي كان له بعدا سياسيا فكريا وقد رأى فيه العرب ولنقل الدول النامية على حد سواء انعكاسا لواقعها الذي تعيشه في مواجهة العلم والتكنولوجيا والتي قريبا ستسيطر على العالم، وربما لن تصل كلماتي هذه في حينها ليقرأها كل من على الأرض إلا بأمر من صانعي هذه التكنولوجيا.
أجد أن الفيلم ينذر بخطر آخر على صعيد سينمائي بحت، فهذا الفيلم الذي ابتدعت شخصياته وأحداثه من خيال علمي بحت واعتمد في تنفيذه على كل تطورات التكنولوجيا وبرامج التحريك ليصور لنا أدق التفاصيل وأبدعها، يجعلنا نقف عند نقطة لا رجوع منها، ألا وهي أين نحن من كل هذا؟
إننا نقف فعلا على حافه فجوة معرفيه هائلة، بدأناها منذ مطلع القرن واليوم نلمسها لمس اليد، فنحن في الجنوب من هذه الأرض لا زلنا نتكلم ونخوض في مشاكل وأحداث جانبية لا يوليها الشمال أي اهتمام، ونختلف على البديهيات في واقعنا، وفي مجال الفن نهتم بأمور الرقابة والمشاكل الشخصية وأجور الفنانين ودور العرض والتمويل وغيرها من الأمور التي تجاوزها الغرب ليتفرغ للإبداع وليعيد دورة المال.
فإلى متى سنبقى في الطرف المستهلك والمنبهر بالآخر؟ وإلى متى سيبقى الآخر ناظرا لنا كفريسة وكسوق لاستهلاك منتجاته.. واقعيا وخياليا؟