أنشأ موقع روزالزهراء ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى

فيروز وقهوة الصباح

فيروز..نجمة الصباح

عدّدت فيروز من أداء أغنيات الصباح بطريقة مدروسة ومدهشة، ولم تلتزم بمقام ولا لون غنائي واحد.

ميدل ايست اونلاين
بقلم: زياد العيساوي

عنوان المقالة سيحيلنا لا محالة، إلى الخوض في غمار لون غنائي آخر، ينضوي تحت لواء الأغنية التعبيرية، التي للسيدة فيروز، دورٌ كبيرٌ في تأسيسها، عربياً، لكونها سخّرت صوتها، لأداء العديد من الأعمال الغنائية الصباحية منذ حداثة عهدها بالغناء، وقد تنوعت الأشكال الموسيقية والأدائية، التي قدَّمت بها هذه الأغنية، التي بدأت تضمحل شيئاً فشيئاً في غمرة هذا المخاض، الذي تتعرض لها الأغنية العربية منذ ما يناهز العشرين عاماً، ذهبت عجافاً على حال الغناء العربي، ولم تثمر عن غناء صحّي يُعيدُ الموسيقا العربية إلى ماضيها التليد، فلو غالب أحدنا نفسه، وتحملت مسامعه ثقل ظِلال وشخوص من تملأ أشرطتهم سوق الغناء الآن، وقلـّب كل ما هو موجود فيه، من الألاف المؤلفة والمألوفة الإيقاع من الأعمال، لن يجد من ضمنها أغنية واحدة عن الصباح، لبلادة الإحساس عند هؤلاء الأدعياء.

فيروز وقهوة الصباح

وللبحث عن التنويع، الذي مضت عليه السيدة فيروز نجد أنها، قد عدّدت من أداء أغنيات الصباح بطريقة مدروسة ومدهشة، حيث إنها، لم تلتزم بمقام ولا لون غنائي واحد، ذلك أنها، نجحت نجاحاً باهراً، في الانتقال بنقلاتٍ نوعيةٍ في هذا الخصوص، إذ راعت في غنائها لهذا النمط الغنائي التعبيري، الخالص النقاء في المعاني الإنساني مذاقات المستمعين ونزعاتهم الفنية، فهي لم تخصّ أحداً من متلقيها، اللذين يتلقفون أعمالها بآذانهم بمجرد أنْ تتهاطل عليهم نغماتها، كما أشعة الشمس الدافئة، أو قطرات المطر في راحات أيديهم، فلا يغيب عنكم، أن الشمس نجمً وفيروز هي نجمة الصباح، لذا أشرق صوتها الدافئ على المراعي، وعبّرت بغنائها عن بهجة الصباح فيها، وكذلك المدن والأرياف، وهذا ما سوف نستوضحه، من خلال الفقرات الثلاث الآتية:

فيروز في صباح الربيع

لبهاء الطبيعة وحسن مظاهرها صورٌ، لا تستطيع العين أنْ تغفلها، مهما تعامت عنها، ولا يمكن لها إلا أن تتوطن في حجرات الذاكرة، هذا بالنسبة للإنسان العادي، فكيف هي الحال بالنسبة للشاعر والملحن والمطرب، كيف لثلاثتهم ألا يترنمون بهذا السحر الطبيعي، ولا يتغنون بهذه اللوحات الرائعات، إلا إذا كانوا منعدمي الوجدان والإحساس وبليدي المشاعر، وما ظنكم بشاعر وملحن ومطربة، تنسموا عبير جبال موطنهم وزهت عيونهم بخضرة أوديته وتلذذوا بعذوبة مياهه هناك في لبنان حيث ولدوا وترعرعوا، وفي هذه الأنشودة الربيعية الخالدة في الأسماع، سحرٌ في الكلمة واللحن والأداء، وجمال الصوت يضاهي سحر الطبيعة المصورة في أبياتها المزركشة جدرانها بلون الخضرة وزهور البرية، فإليكموها:

أنشودة: إلى راعية

للأخوين رحباني

غناء نجمة الصباح: فيروز

سوق القطيع إلى المراعي وأمضي إلى خُضر البقاع ِ

ملأ الضُّحى عينيك بالأطيافِ من رقص الشعاع ِ

وتناثرت خُصلاتُ شعرك للنسيمات السِّراع ِ

سمراء يا أنشودة الغابات يا حُلم المراعي

من فتنةِ الوديان لونت مراميك الخصابا

وملئت هذا المرج ألحانا وأنغاماً عذابا

بين المرابع تشردين كظبيةٍ تهفو اقترابا

تتعشقين الغابَ أشجاراً وتهوين الرحابا ...

يحكي الغدير صدى هواه إذا مرّرت على الغدير

ويصفق الشحرور حين ترفرفين على الصخور

تهوين قمات الجبال الشّمق أوكار النسور

وتسامرين معاطف الوديان بالسفح النطير ...

وعلى مصب النبع في الحنوات لاح خيال راعي

كوفية بيضاء تسبح في المرابع كالشِّراع

يشدو يقول وصوته الداوي يهيم بلا انقطاع

سمراء يا أنشودة الغابات يا حلم المراعي

لنرحل في هذه النزهة السمعية معاً، نركب الريح، ونتزود بهذه الجمل الموسيقية وتنهل من عذوبة الشهد الذي يتقاطر من حنجرة هذه المطربة الكبيرة، ماذا يلزم المتنزه أيضاً في العادة غير هذه الأمتعة والحاجيات؟ ما ظننت أننا نسينا شيئاً قط، فهي بنا نشبع أحاسيسنا بجرعات الطرب والغناء،و لعلمي المسبق بما ينشده من هو في حالتكم وما يتمناه، إذ أعدّ العُدة للتنزّه، وهو أن يعود منه، وقد غمرته السعادة، إذ يعيش لحظات ممتعة في حضن الطبيعة البهي، وهذا ما أعدكم إن حزمتم حقائبكم، صوب هذه المراعي وقت الضحى.

يتقدَّم هذه القصيدة القاصدة لهذا المضمون التعبيري، مذهبٌ موسيقي جلابٌ، يوقظ المستمع من نومه، ويغرس فيه شجرة حيوية ونشاط الصباح، وسُرعان ما تنغمس فيروز في هذه الأغنية، وينصهر صوتها مع لحنها الأصيل، وهي تحثُّ الراعية السمراء - مع أنّ فعل السوق جاء مخاطباً للمذكر - لأنْ تبدأ يومها باكراً، وتباشر حياته اليومية، لتأخذ غُنيماتها الفرحة بالدفء، إلى حيث الكلأ والماء في المراعي الخضراء ؛ ثم تذكرها بأنها قد ذابت في هذه البيئة التي تطبعت بها، وهي تنشد وتترنم على أصوات وأضواء الطبيعة، حينما ترعى حلالها خِلالها، وترد أصداء أهازيجها الوديان، حينما تتسلى في مجيئها وغدوها، وتنقلها من وادٍ إلى آخر، ثم تصعد بحثاً عن الخضرة لأغنامها إلى قمم الجبال، فقد أرادت أنْ تبيّن لهذه الراعية، قيمتها في هذه الحياة ودورها العظيم الذي تقوم به، ثم تستمر في وصفها لها، حينما ترى انعكاس أشعة الشمس، على حدقتي عينيها، لتعيد وتذكرها بأنها، قد تأثرت بمظاهر الطبيعة وأثرت بدورها فيها، حتى عشقها صوت هدير الغدران، فتزيد به، لحمتها بأرضها، لما رأت أنها والطبيعة، صارتا صنوين لا يفترقان عن بعضهما البعض، فأيّة صورةٍ جميلة هذه التي وضعتنا قـُبالتها؟ وأيّة بلاغة في التعبير هي، التي زودت ذائقتنا بها؟ وأيُّ طربٍ هو، الذي نهلنا من لذاذته، وأوصلتنا إليه هذه المطربة القامة، في هذا العمل البديع بألوان الربيع، كلي أمل، في أنْ تكونوا قد أُسعِدتم بهذه الرحلة، واستمتعتم بها.

فيروز في صباح الشتاء

ليس أحلى من أن ينهض أحدنا في الصباح، ويجد بقايا قطرات المطر على وريقات الأشجار، والطرقات قد ابتلت بالماء الرقراق، بعد ليلة مطيرة باردة، فيستبشر خيراً بصباحه، وأملاً بمواسم الخير لمن هم في مسيس الحاجة إلى هذه الأمطار المنهمرة في المراعي والأرياف، فتخطر على باله هذه الرائعة الصباحية:

أغنية: شتي يا دنيي

للأخوين رحباني

غناء: السيدة فيروز

شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلا

و تدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلا

 

آخر الأخبار الفنية Copyright © 2010 Designed by Ipietoon الكاتب الأديب مجدى شلبى أنشأهذا الموقع ويدير تحريرهالكاتب الأديب مجدى شلبى